منذ عام 1948، حيث نکبة فلسطين ولحد عام کانون الثاني من عام 1979، ليس هناك من يمکنه أن يقول بأن أمن المنطقة قد تعرض لخطر وتهديد جدي بحيث يٶثر سلبا على إستتبابه وحتى إن العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وکذلك حروب عام 1948 و1967 و1973 بين العرب وإسرائيل، لم تٶثر على إستتباب الامن في بلدان المنطقة بل وإن جميع هذه الاحداث والتطورات بما فيها الحروب والاحداث الجانبية الاخرى نظير ماحدث في اليمن في الستينيات أو حتى الانقلابات العسکرية في البلدان العربية مرت کلها وکأن شيئا لم يکن حتى جاءت الثورة الايرانية التي إستبشر بها العرب والمسلمون في بداية الامر ثم صعقوا بعد أن رکب التيار الديني موجة الثورة وجعل منها ليس شوکة بل وحتى بمثابة خنجر مسموم تم غرزه في خاصرة الامنين القومي والاجتماعي العربي.
منذ أن إعلان تأسيس نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية المبني على أساس نظرية ولاية الفقيه الغريبة والطارئة ليس على الدين الاسلامي عموما بل وحتى على المذهب الشيعي ذاته خصوصا، فقد دخلت منطقة الشرق الاوسط في نفق مظلم وجعلها تواجه تهديدا بالغ الخطورة من الداخل، وحري الاقرار هنا إن التهديد الخارجي الذي کان متمثلا بإسرائيل لم ولن يتمکن من الارتقاء الى مستوى التهديد الداخلي الذي جاء على يد النظام الديني الجديد في إيران.
العبث بالامن والتأثير السلبي على الاستقرار والتلاعب بالتوازن الاجتماعي السائد في المجتمعات العربية في العديد من الدول وتهديد البقية بطرق وأساليب مختلفة، فتارة بالتشيع وفق النهج المٶدلج للنظام الايراني”والذي وصل الى بلدان المغرب العربي وأفريقيا” وأخرى بتشجيع الاحزاب والمنظمات والجماعات المنتمية لأهل السنة بالتمادي في التطرف والسعي لمواجهة الانظمة القائمة في بلدانها والسعي من أجل تغييرها عنوة والطامة الکبرى إن هذا المسعى کان يجري من دون أن يکون لدى هذه الاحزاب نظام سياسي بديل يمکن الاعتداد به، وخلاصة القول فإن جميع التنظيمات والاحزاب الشيعية والسنية التي إرتبطت بالنظام الايراني فإن هدفها الاهم کان ولازال إستهداف النظام العربي الرسمي، وهکذا خطر وتهديد غير مسبوق لم يواجه بلدان المنطقة قبل مجئ هذا النظام إطلاقا.
المثير للسخرية والتهکم البالغين، إن الذي فاقم التهديد الجدي الذي واجهته بلدان المنطقة من جانب النظام الايراني بحيث جعلته تهديدا نوعيا، هو إستغلالها القضية المرکزية للعرب والمسلمين، أي القضية الفلسطينية وتوظيفها بطريقة واسلوب من أجل خدمة مشروع النظام الذي يستهدف المنطقة برمتها، وهذا الامر زرع إنقساما غير مسبوقا في الشارع الفلسطيني وهو الانقسام الذي لم تتمکن إسرائيل إطلاقا من إحداثه ومن المٶسف جدا إن هذا الانقسام إنتقل ولو بشکل وصورة طفيفـة نسبيا الى الشارع العربي.
التعابير بالغة السخف التي شهدتها المنطقة خلال العقود الاربعة الماضية نظير”طريق تحرير القدس يمر عبر کربلاء” أو”طريق تحرير القدس يمر عبر صنعاء” وغيرها من هذه التعابير التي کان هدفها إستغفال العقل العربي ومصادرته، کانت کلها يتم إعدادها وتجهيزها وتعميمها من طهران الى بلدان المنطقة، الاکثر إثارة للسخرية والتهکم، إن إسرائيل لم يهتز لها ولو شعرة واحدة من کل ما قد نجم تداعى عن هذه الشعارات السقيمة بل وحتى يمکننا القول وبکل ثقة وطمأنينة بأن المستفيد الاکبر من وراء هکذا شعارات وتعابير زائفة کانت إسرائيل فيما کان المتضرر الاکبر شعوب وبلدان المنطقة.
الامنان القومي والاجتماعي العربي لايمکن أن يستتبا وتستقر الاوضاع في بلدان المنطقة طالما بقي هذا النظام وظل مستمسکا بنهجه ومشروعه المشبوه وقطعا فإنه طالما بقي لن يتخلى عن نهجه لأن تخليه عن نهجه يعني زواله وتلاشيه، ولذلك فلسنا نبالغ أبدا إذا ما قلنا بأن طريق أمن المنطقة وإستقرار يمر عبر طهران وذلك من خلال دعم نضال الشعب والمقاومة الايرانية من أجل الحرية وإقامة الجمهورية الديمقراطية، ونعني بذلك تحديدا التغيير السياسي الجذري في إيران وإسدال الستار على هذا النظام السرطاني الذي کان منذ بداية تأسيسه وحتى يومنا هذا بمثابة بٶرة لتصدير مختلف أنواع الشر والعدوان وکل ما يتسبب في جعل بلدان المنطقة تعيش هاجس الخوف والرعب!